الزلازل | مقالة علمية
حسن الرملة
في السادس من شباط/فبراير من العام الجاري، أفاق السوريون والأتراك على كارثة مدمرة إثر زلزال بلغت شدته 7.8 درجة على مقياس ريختر، ضرب الشمال السوري، وجنوب ووسط تركيا، ما أدى لسقوط الآلاف من الضحايا، وتشرد الكثير من العائلات التي فقدت سكنها بشكل مفاجئ؛ وفتح الباب واسعاً أمام نقاشات جدلية حول الزلازل، وماهيتها، وأسباب حدوثها؛ وخلق حالة من التشويش، دفعتنا لتسليط الضوء على الحقيقة العلمية لهذه الظاهرة الطبيعية.
أولاً: ماهية ظاهرة الزلزال
تعد الزلازل إحدى الظواهر الطبيعيّة التي تحدث في الأرض، وتعرف بأنّها عبارة عن اهتزاز واحد أو اهتزازات ارتجاجية ناتجة عن حركة الصفائح الصخرية في طبقات الأرض، ويتبع الزلازل العديد من الارتدادات الأرضية التي يطلق عليها اسم “أمواج زلزالية”، ومن أشهر الزلازل التي حدثت في الأرض: زلزال حلب عام 1138م، وشانشي عام 1556م، وغانسو عام 1920م، وزلزال المحيط الهندي عام 2004م، وهايتي عام 2010م.
ثانياً: أنواع الزلازل:
1) حسب سبب الحدوث[1]
تُصنَّف الزلازل إلى أربعة أنواع رئيسة، وهي:
–الزلازل التكتونية[2]
تحدث الزلازل التكتونية (بالإنجليزية: Tectonic Earthquakes) بفِعل حركة الصفائح التكتونية الأرضية، وذلك عندما تتحرَّر الطاقة المُتراكمة داخل مناطق حدود الصفائح، ويشار إلى أنَّ هذا النوع من الزلازل عادةً ما يكون أكبر حجمًا وتأثيراً من الزلازل البركانيّة.
–الزلازل البركانية
تنشأ الزلازل البركانية (بالإنجليزية: Volcanic Earthquakes) بفِعل أنشطة البراكين، وينتج عن هذا النوع من الزلازل العديد من المخاطر التي تتضمَّن التصدّعات والتشوّهات الأرضيَّة، بالإضافة إلى تدمير المباني.
–الزلازل الانهيارية
تُعرَّف الزلازل الانهيارية (بالإنجليزية: Collapse Earthquakes) بأنَّها زلازل صغيرة تحدث في باطن الأرض والمناجم، وتَنتُج بفِعل الموجات الزلزالية الناجمة عن انفجار الصخور على السطح، ويُمثِّل انهيار سقف المنجم أو الكهف السبب المباشر للاهتزاز الأرضي.
–الزلازل الانفجارية
تنشأ الزلازل الانفجارية (بالإنجليزية : Explosion Earthquake) بفِعل انفجارات ناجمة عن معدّات نوويّة أو كيماويّة.
2) حسب العمق
تُصنّف الزلازل حسب العمق إلى ثلاثة أنواع:
- زلازل سطحية: تنشأ الزلازل الضحلة (shallow Earthquakes) على أعماق تتراوح ما بين 0 و70 كيلو متر تقريبًا.
- زلازل متوسطة: تنشأ الزلازل المتوسطة (intermediate Earthquakes ) على أعماق تترواح ما بين 70 -300 كيلو متر تقريبًا.
- زلازل عميقة: تعرف الزلازل العميقة (deep Earthquakes ) بأنها الزلازل التي تنشأ على أعماق أكبر قد تصل إلى 700 كيلو متر تقريبًا.
ثالثاً: تصنيفات الزلازل:
تصنف الزلازل حسب مقاييس ثلاثة هي: ريخت، ومقياس ميركالي، ومقياس درجة العزم.
1) تصنيف الزلازل حسب مقياس ريختر
يُعدُّ مقياس ريختر (بالإنجليزية:Richter scale) أحد الطرق المُستخدَمة بشكلٍ واسع لقياس قوة الزلازل، ويرجع الفضل فيه إلى العالم تشارلز ريختر (بالإنجليزية: Charles Richter) الذي قدّمه عام 1934م، ويعتمد هذا المقياس على سعة أكبر موجة مُسجَّلة من قِبل نوع مُحدَّد من أجهزة قياس الزّلازل، بالإضافة إلى المسافة بين مركز الزلزال وجهاز القياس.
2) تصنيف الزلازل حسب مقياس ميركالي[3]
يُعدُّ مقياس ميركالي (بالإنجليزية: Mercalli scale) من الطرق الأخرى المُستخدَمة لقياس شِدّة الزلازل، وقد وضعه العالم جوسيب ميركالي (Giuseppe Mercalli) في عام 1902م، إذ يعتمد هذا المقياس على مُشاهدات ومُلاحظات الأشخاص الذين شعروا بالزلزال من أجل تقدير شِدّته، ولذلك يُشار إلى أنَّه لا يُعدّ مقياسًا عِلميًا كمقياس ريختر، إذ إنّه من المُمكن أن يُبالغ الأشخاص في وصفهم وتقديرهم لشدّة الزلزال، كما من المُمكن أيضاً عدم اتّفاق الشهود على رأي واحد في ما حدث، ولذلك فقد لا يصف مقدار الضرر الناجم عن الزلزال مدى حجمه بِدقّة.
3) تُصنّف الزلازل بحسب مقياس درجة العزم
إلى فئات تتراوح بين الزلازل الصغيرة والكبيرة بالاعتماد على مقدار قوّتها، وهي أقرب للحالة الوصفية التي تعتمد بقياسها للزلزال على الأضرار وأعداد الضحايا.
رابعاً: المناطق الأكثر تعرضاً للزلازل:
تحدث الزلازل في أي مكان في العالم وفي أي وقت، لكن بعض أجزاء الأرض أكثر عرضة للزلازل من غيرها.
ويشير المعهد الجيولوجي البريطاني وكذلك المعهد الأميركي إلى ثلاثة أحزمة تقع فيها معظم الزلازل، أبزها منطقة تسمى “الحزام الناري” أو “حلقة النار” (Ring of Fire) على حافة المحيط الهادئ وتحدث فيها أكثر من 80 في المئة من الزلازل، نتيجة الحركة التكتونية المستمرة للصفائح في هذه المنطقة.
ويمتد هذا الحزام من تشيلي شمالا على طول ساحل المحيط الهادئ لأميركا الجنوبية إلى المكسيك في أميركا الشمالية، مرورا بالساحل الغربي للولايات المتحدة، إلى الأجزاء الجنوبية من ألاسكا، ويمتد ليشمل جزر ألوتيان في المحيط الهادئ، واليابان، والفلبين، وغينيا الجديدة، وجزر جنوب غرب المحيط الهادئ ونيوزيلندا، بحسب وورلد أتلس.
ومن أبرز الزلازل التي وقعت في المنطقة زلزال تشيلي (1920) وزلزال فالديفيا (1960)، وزلزال ألاسكا (1964)، وفق المعهد الجيولوجي الأميركي.
الحزام الألبي
لحزام الألبي ويقع في منطقة تمتد لأكثر من 15 ألف كيلومتر من جاوة وسومطرة نحو المحيط الأطلسي عبر شبه جزيرة الهند الصينية، ويعبر جبال الهيمالايا، وجبال إيران، والقوقاز، والأناضول، والبحر الأبيض المتوسط، ويمثل هذا الحزام حوالي 17 في المائة من أكبر الزلازل في العالم، وشهد أكثر الزلازل تدميرا، مثل زلزال باكستان التي أودى بحياة أكثر من 80 ألف شخص في 2005، وزلزال إندونيسيا عام 2004، الذي تسبب في حدوث تسونامي أودى بحياة أكثر من 230 ألف شخص.
حزام منتصف الأطلسي[4]
ويحدث تحت الماء وبعيدا عن الأماكن الحضرية لكن أيسلندا التي تقع مباشرة فوق منتصف المحيط الأطلسي تعرضت لزلازل كبيرة بلغت درجتها أكثر من 6.9 درجة ، وهذه الأماكن الثلاثة معروفة بالأنشطة الزلزالية، لكن يمكن أن تحدث الزلازل في خارج هذه المناطق، مثلما حدث في نيو مدريد بولاية ميزوري الأميركية (1811-1812) وتشارلتون في ساوث كارولاينا (1886). ومع ذلك، عادة ما تنقضي سنوات عديدة بين هذه الزلازل، والدول الخمس الأكثر عرضة للزلازل في العالم الصين وإندونيسيا وإيران وتركيا واليابان، وفق وورلد أتلس ، واليابان وإندونيسيا من أكثر دول العالم بالنسبة لعدد الزلازل، أما الصين وإيران وتركيا فتعتبران من أكثر دول العالم تسجيلا لزلازل كارثية ، ويقول المعهد الأميركي إن الزلزال الأخير في تركيا والذي امتد لسوريا، وأدى لمقتل أكثر من 50 ألف شخص على الأقل، إما مرتبط بمنطقة صدع شرق الأناضول، أو منطقة البحر الميت ، الدكتور صلاح محمود، الرئيس الأسبق للمعهد القومي المصري للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، قال لموقع الحرة إن الزلزال الأخير في تركيا وقع في منطقة زلازل معروفة تاريخيا، بالقرب من منطقة زلزال عام 1939 الذي أودة بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص، وكذلك زلزال عام 1999 الذي أدى إلى مقتل نحو 17 ألف شخص ، وجاء زلزال تركيا نتيجة صدع يبدأ من خليج العقبة ويتجه شمالا نحو الأناضول، وفق الخبير المصري ، ويشير إلى أن كل المناطق المطلة على البحر المتوسط عرضة للزلازل نتيجة تقارب يحدث بين القارتين الأفريقية والأوروبية. لذلك تشهد دول مثل قبرص واليونان ومنطقة شمال غرب تركيا وجنوبها والجزائر والمغرب زلازل نتيجة ذلك، لكنه يوضح أنه مقارنة بمناطق الزلازل الشهيرة في العالم، يعتبر النشاط الزلزال في المنطقة متوسطا أو صغيرا.
خامساً: التنبؤ بالزلازل[5]:
يقول المسؤول عن شبكات الرصد في المركز الوطني للجيوفيزياء التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، رشيد جمعة:
- التنبؤ بالزلازل أمرٌ غير وارد من الناحية العلمية، أما مساعي التنبؤ بالهزة قبل ثوان قليلة من الحصول فيحتاج إلى موارد هائلة.
- الزلزال حدث آني يحصل على نحو مفاجئ.
- التنبؤ أمر صعب، لكن يمكن التحضير للكارثة، من خلال التوعية، لأجل تقليل المخاطر قدر الإمكان.
- الهزات الارتدادية تقع في الغالب بعد الزلزال الكبير أو الهزة الرئيسية، وبالتالي، فإن ما يأتي بعدها لا يساعد على القيام بتوقعات ذات فائدة.
وما أشيع حول “باحث” هولندي توقع حدوث الزلزال، كان في الواقع ضمن “كلام عام”، لأن منطقة الشرق الأوسط معروفة أصلا بحدوث زلازل، ملاحظة الفوالق الزلزالية في بعض المنطق تقدم صورة عامة عن مدى احتمال الزلازل، لكنها لا تساعد على ترقب الكارثة في تاريخ محدد أو وشيك مثلا.
خاتمة وخلاصة:
قد نشهد مع التطور المتسارع للتكنولوجيا اليوم، ما يتيح للعقل البشري مستقبلاً إيجاد آليات معينة للتنبؤ بالزلازل؛ لكن القدر المتاح من الحقائق العلمية اليوم، يؤكد أن الظواهر الطبيعية، ما تزال أموراً غامضة، لا يمكن التنبؤ بها أو التأثير فيها أو حتى إدارتها بطريقة ما، وأنّ جميع الدراسات الإحصائية، والأبحاث العلمية التي تتناول الزلازل ومثيلاتها من الكوارث لم تجد قانوناً علمياً ثابتاً يمكن الاستناد إليه؛ وإذا كانت أكثر المناطق -كما تبين- عرضة لوقوع نشاط زلزالي، معلومة ومحددة، ولا إمكان حقيقي للتنبؤ بتوقيت ومكان حدوثها على وجه الدقة، فلا يبقى أمام الدول الواقعة في تلك المناطق إلا أن تجعل بنيتها التحتية مهيأة وفق أساليب هندسية متطورة وحديثة، تضمن سلامة البناء، وتحفظ حياة الناس.
المراجع:
[1] أبرار طارق صابر (الزلازل وآثارها الطبيعية ص40 ) جامعة السودان للعلوم والتكنلوجية كلية الفيزياء.
[2] جيبينز ديفيد (1990). عالم في الزلازل والصفائح التكتونية ، صحافة جامعة كامبرج. رقم ISBN
[3] نقابة المهندسين السوريين، الكود العربي السوري لتصميم وتنفيذ المنشآت بالخرسانة المسلحة – الملحق رقم (2) تصميم وتحقيق المباني والمنشآت لمقاومة الزلازل. 2005 – الجدول (ب-1).
[4] الكتيب الدولي للزلازل وعلم الزلازل الهندسي.
[5] رشيد جمعة مسؤول في شبكات الرصد في المركز الوطني للجيوفيزياء التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية.