تأثير المسلسلات السياسية على الجمهور

محمد حاج علي

لطالما كانت مسرحيات عبد الرحمن عيد، وهمام حوت، وغوار، ومسلسلات ياسر العظمة في مرايا، وبعض لوحات بقعة ضوء تجذب انتباه السوريين، وتثير الاهتمام والفضول لديهم؛ فهي تنتقد السلطة التي أذاقتهم -لسنوات وعقود- طعم الظلم ومرارة الاستبداد، ليجدوا في هذا النمط من الأعمال التي تتجرأ على السلطة -ولو بالحد الأدنى- متنفساً ينتشلهم من بؤسهم ويحلق بهم في خيالات بعيدة.

يعرض الآن في أيام شهر رمضان مسلسل بعنوان “ابتسم أيها الجنرال” تدور أحداثه حول أسرة حاكمة متجبرة في إحدى الدول العربية استولت على مقاليد الحكم في البلاد، وإثر فضيحة سياسية، ينشب صراع بين شقيقين أحدهما ورث الرئاسة عن أبيه، والآخر طامع في السلطة والنفوذ، ويتنامى الصراع دون أي مراعاة لمصلحة البلاد أو حقوق المواطنين.

لسنا هنا بصدد تحليل المسلسل أو تقييمه؛ لكننا نريد الحديث عن تأثير المسلسلات السياسية على الجمهور، إذ يعد هذا النوع من الأعمال سيفاً ذا حدين، فمن ناحية، نلحظ جوانب إيجابية كالقدرة على تشكيل الآراء، والتأثير على المعتقدات، وإثارة المناقشات حول قضايا المجتمع، وربما يزيد على ذلك -خصوصاً في الأعمال الأجنبية- تعزيز قيم الحرية، والمشاركة السياسية، والديمقراطية، والإسهام في نشر الوعي في المجتمع.

 ومن ناحية أخرى قد تنطوي هذه المسلسلات على سلبيات كثيرة عندما تستخدم للتثبيط، والتخدير، وإفقاد الأمل بالمشاركة السياسية، والنضال من أجل الحرية، والاستقطاب لصالح إحدى الجهات، وتبرير ممارسات السلطة، لا سيما وأن السياق الدرامي -في الغالب- يفرض على الكاتب الكثير مما لا صلة له بالواقع.

نحاول فيما يلي أن نعرض لبعض ما يمكن التأثير عليه من خلاله المسلسلات السياسية، ومن ذلك:

الوعي:

 تستطيع المسلسلات السياسية أن تخلق وعياً حول القضايا السياسية والاجتماعية من خلال عرض الأحداث والتحديات التي تواجه المجتمع، كما أنها تساعد الجمهور في فهم تعقيدات المشهد السياسي، فهي تعزز فهم خفايا عالم السلطة، وتكشف عن كواليس ما يجري فيه من مؤامرات وصفقات، لكن بوصفها سلاحاً ذا حدين فقد تستخدم في الاتجاه المعاكس لتشويه الوعي أو مسخه.

الحوار:

تثير المسلسلات السياسية النقاش بين الناس حول مختلف القضايا المجتمعية من خلال تصوير الموضوعات المعقدة والمثيرة للجدل في أوساط الجماهير بطريقة مبسطة يسهل الوصول إليها بشكل جذاب، وهذا بدوره يشجع على الانخراط في هذه الحوارات، مؤدياً لزيادة الوعي والفهم، كما ينمي حس التفكير النقدي عند المتابع؛ لكنها -في الوقت ذاته- قد تعرض معلومات مضللة بسبب المبالغة في التبسيط، أو إرضاءً لبعض الجهات.

التعليم:

يمكن للمسلسلات السياسية أن تسهم في تثقيف الجمهور بالتاريخ، والسياق وراء القضايا السياسية والاجتماعية الكبرى، وأن تشكل الذاكرة التاريخية للمجتمع من خلال تقديم الأحداث السياسية التاريخية ومحاولة ربطها بالواقع المعاصر، وأن تزود الجمهور بفهم أعمق للأسباب الجذرية للمشكلات السياسية الحالية، لكنها أيضاً قد تكون عرضة للاستقطاب عندما تعرض هذه الأحداث والقضايا من وجهة نظر معينة بعيدة عن الموضوعية والحيادية.

التأثير الثقافي:

لا يخفى التأثير الثقافي لتلك المسلسلات، فمن خلال تشكيل تصورات لدى الجمهور حول السياسة والقضايا الاجتماعية، ومن خلال زرع وتعزيز بعض القيم والمعايير والمعتقدات، يتشكل جزء من الثقافة السياسية للمجتمع، لكن الأنظمة المتسلطة قد تستغل ذلك، فتروج لقيم ومفاهيم لا تناسب المجتمع، وتحاول فرضها عليه بالقوة فيؤدي ذلك إلى تشوه الثقافة المجتمعية واضطرابها.

التعبئة:

 يمكن للمسلسلات السياسية أن تحفز الجمهور على الانخراط في الأنشطة والتطوع والمشاركة السياسية وتعبئته على نحو ينمي عاطفته تجاه مواقف بلاده إزاء قضايا سياسية معينة، لكن هذه التعبئة قد تكون عرضة للاستقطاب عندما توجه نحو قضايا معينة يقصد منها صرف نظر الشعب عما هو أولوي ومهم.

نصل إلى أن المسلسلات السياسية لها تأثير متعدد الجوانب على الجمهور، بدءاً من خلق الوعي والتعاطف إلى التأثير على الآراء والتحفيز على المشاركة السياسية أو إنشاء ذاكرة تاريخية للمجتمع أو إثارة المناقشات حول القضايا السياسية والاجتماعية، كما أن الانخراط في متابعة تلك المسلسلات يجعل الجمهور أكثر استعداداً للتغلب على تعقيدات العالم السياسي، وتشجعه على المطالبة بالتغيير والإصلاح، إلا أن تلك الإيجابيات يمكن أن تصبح ألعوبة بيد الأنظمة الاستبدادية والشمولية عندما تسيطر عليها وتوظفها في خدمة مصالحها وأولوياتها.