تحالف الطاولة السداسية

محمد حاج علي

قد يعتبر الاهتمام بالانتخابات، والتشوق لمعرفة نتائجها أمراً طبيعيا للمواطن التركي، لكن ما يثير الغرابة أن نجد السوريين اليوم يتابعون بشغف تفاصيل المرحلة التحضيرية لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أيار/مايو 2023م، ربما يفسر هذا الاهتمام التأثير المباشر لتلك الانتخابات على المشهد السياسي السوري، ولا سيما موقف المعارضة من اللاجئين السوريين، والتدخل التركي في الملف السوري، وغير ذلك من القضايا.

في هذا المقال نتحدث بشكل موجز عن أحزاب تحالف المعارضة التركية “الطاولة السداسية” لتكون مقدمة بسيطة لفهم الانتخابات التركية ومآلاتها.

نشأة الطاولة السداسية:

في 13 فبراير/ شباط 2022، خلص اجتماع 6 رؤساء لأحزاب معارضة تركية على طاولة واحدة إلى اتفاقهم على السعي إلى إنشاء نظام برلماني معزز في تركيا من خلال الانتخابات هم: زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، وزعيمة حزب الجيد ميرال أكشنار، ورئيس حزب السعادة تمل كرم الله أوغلو ورئيس حزب الديمقراطية والتقدم على بابا جان، ورئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو، ورئيس الحزب الديمقراطي غولتكين أويصال.

وفي 6 مارس/ آذار 2023 أعلنت الطاولة السداسية أن زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو سيكون مرشحه المشترك أمام الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها يوم 14 مايو/ أيار المقبل.

أحزاب الطاولة السداسية:

  • حزب الشعب الجمهوري: هو أكبر حزب معارض، وثاني أقوى حزب في البرلمان ب 134 نائبا، يرأسه كمال كليجدار أوغلو، واستطاع الحزب منذ الانتخابات المحلية 2019 أن يحقق تقدما ملحوظا من خلال الفوز ببلدتي إسطنبول وأنقرة وهو حزب سياسي اشتراكي علماني يحمل الأفكار الأتاتوركية، وهو أقدم حزب في تركيا تأسس عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك تزامنا مع تأسيس الجمهورية.
  • حزب الجيد: ثالث أكبر أحزاب المعارضة، وأقل الأحزاب البرلمانية قوة برصيد (37) نائباً برلمانياً، وهو حزب جاء من خلفية قومية إثر انشقاقه عن “الحركة القومية”، تقوده ميرال أكشنار منذ تأسيسه في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2017، يصنف نفسه على أنه حزب ليبرالي وسطي قومي تركي.
  • حزب السعادة: حزب سياسي تركي إسلامي، انبثق عام 2001 عن حزب الفضيلة الإسلامي الذي حلته السلطات التركية، وهو يسير على منهج زعيمه التاريخي نجم الدين أربكان، فشل الحزب في دخول البرلمان بمعظم الانتخابات التي خاضها، ولم يتمكن من كسر هذه القاعدة إلا عام 2018، ويعد حزباً يمينياً محافظاً ومعارضاً، يقوده تمل كرم الله أوغلو، الذي يعتبر من الشخصيات المعارضة الواضحة في انتقاد الحزب الحاكم، وقد كان له دور كبير في محاولة ترشيح الرئيس التركي السابق عبد الله غول في الانتخابات الرئاسية عام 2018، ليكون ممثلاً عن جميع أحزاب المعارضة.
  • حزب المستقبل: تأسس في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، على يد أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية ورئيس الوزراء السابق في حكومة العدالة والتنمية، وبقي رجل السياسة الخارجية في حكومات العدالة والتنمية رئيساً للحزب إلى أن غادره بسبب انتقادات وجهها للحزب إثر خسارة الأخير بلديتي إسطنبول وأنقرة ضمن الانتخابات المحلية 2019، ويصنف على أنه حزب محافظ ليبرالي.
  • حزب الديمقراطية والتقدم: تأسس في 9 مارس/آذار 2020، على يد علي بابا جان رجل الدولة والاقتصاد السابق في “العدالة والتنمية” وأحد مؤسسي الحزب قبل أن يغادره أواخر 2019، وهو حزب يميني وسطي محافظ ليبرالي.
  • الحزب الديمقراطي: أسسه سليمان ديميريل في 23 يونيو/حزيران 1983، وحمل اسم حزب “الطريق القويم” ثم تغير لاحقاً إلى اسمه الحالي، ويرأسه الآن غولتكين أويصال، ويعتبر الحزب من الأحزاب القومية اليمينية.

المرشح الرئاسي: كمال كليجدار أوغلو من هو؟

كمال كليجدار أوغلو هو رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، ولد عام 1948 وينتمي إلى الطائفة العلوية، أكمل كليجدار تعليمه الابتدائي والمتوسط في المدارس الحكومية وتخرج بمرتبة الشرف من مدرسة إيلازيج التجارية الثانوية في عام 1967. ثم التحق بأكاديمية أنقرة للدراسات الاقتصادية والتجارية، وتخرج في عام 1971. وعمل في مؤسسة الضمان الاجتماعي التركي منذ عام 1992، وتولى مسؤولية إدارتها العامة بين عامي 1997 و1999.

بدأ كليجدار حياته السياسية بالانضمام إلى حزب الشعب الجمهوري في عام 2002 وانتخب للبرلمان التركي في عامي 2002 و2007.

ترشح لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى بالانتخابات المحلية في عام 2009 لكنه خسر أمام مرشح حزب العدالة والتنمية، قدير توباش؛ وفي عام 2010، تم انتخاب كليجدار أوغلو رئيسا لحزب الشعب الجمهوري بعد استقالة دينيز بايكال.

رغم عدائه مع العدالة والتنمية وقف كليجدار أوغلو ضد محاولة الانقلاب التي شنتها قطاعات من الجيش التركي للإطاحة بالنظام والاستيلاء على السلطة في 15 تموز/يوليو 2016. وكان حاضرا في البرلمان باليوم التالي لإعلان وقوفه إلى جانب الشرعية الديمقراطية.

يعرف كمال بمعارضته الشديدة لرجب طيب أردوغان وسياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم كما يعارض كمال كليجدار أوغلو التدخل التركي في الشؤون السورية، وأعلن أنه فيما إذا وصل إلى الحكم سيعمل على إعادة العلاقات مع الحكومة السورية وترحيل اللاجئين السورين.

خارطة الطريق:

بعد تسمية الطاولة السداسية لمرشحها، تم الإعلان عن خارطة طريق من (12) مادة لإدارة البلاد بعد الانتخابات، على النحو التالي:

  1. ستدار تركيا في المرحلة الانتقالية عبر التشاور والتوافق، في ضوء مبادئ وأهداف النظام البرلماني المعزز، والنصوص المرجعية التي اتفقنا عليها، وفي إطار الدستور والقانون وفصل السلطات وأسس الموازنة والمراقبة.
  2. سيتم الانتهاء من التعديلات الدستورية المتعلقة بالانتقال إلى النظام البرلماني المعزز، لتدخل حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن تحت مظلة البرلمان الذي سيتشكل عقب الانتخابات.
  3. سيكون رؤساء الأحزاب الخمسة الأخرى نوابا لرئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية.
  4. سيكون توزيع الحقائب الوزارية بين الأحزاب السياسية المشكلة لتحالف الأمة وفقا لعدد نواب هذه الأحزاب المنتخبة في الانتخابات البرلمانية. بينما ستكون حقيبة وزارية على الأقل تمثل كل حزب من هذه الأحزاب في الحكومة. في حين سيتم إلغاء مكاتب ومجالس السياسات العائدة لرئاسة الجمهورية والتي تم تأسيسها بالتوازي مع الوزارات.
  5. تعيين وإلغاء الوزراء، سيكون من خلال التشاور مع رؤساء الأحزاب التي يتبع لها الوزراء.
  6. سيستخدم رئيس الجمهورية سلطته التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية وفقا لمبادئ المشاركة والتشاور والإجماع.
  7. سيتم توزيع صلاحيات ومهام مجلس الوزراء ونواب الرئيس من خلال مرسوم رئاسي في إطار الدستور والقوانين.
  8. سيتخذ رئيس الجمهورية قرارات إعادة الانتخابات، وإعلان حالة الطوارئ، وسياسات الأمن القومي، والقرارات الرئاسية، والإجراءات التنظيمية العامة، والتعيينات في المناصب العليا؛ بالتوافق مع قادة الأحزاب في تحالف الأمة.
  9. سيتم إنشاء آليات لتنسيق التعاون في العملية التشريعية خلال المرحلة الانتقالية.
  10. ستنتهي عضوية رئيس الجمهورية الحزبية- إن كانت موجودة- بمجرد استكمال عملية الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز.
  11. بعد الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز؛ سيواصل رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مهامهم دون الحاجة إلى إعادة الانتخابات.
  12. سيتم تعيين رئيسي بلدية أنقرة وإسطنبول نائبين لرئيس الجمهورية، في الوقت الذي يراه الرئيس مناسبا، وضمن واجبات محددة.

التحديات التي تواجه الطاولة السداسية:

التحالف هش وهو في حده الأدنى، فالخلاف على كليجدار دفع رئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنار للانسحاب قرابة يوم واحد من الطاولة، لتعود لاحقاً بعد تدخل عديد من السياسيين؛ وإذا نظرنا للخلفيات والأفكار والبرامج المتباينة للأحزاب المشاركة في الطاولة السداسية، نجد أن الاتفاق بينهم أقرب لمحاولة إيجاد قاسم مشترك أصغر بين هذه الأحزاب.

التحدي الآخر هو كليجدار نفسه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن الشعب التركي المحافظ لا يمكن أن يتقبله بسبب تاريخه المليء بهجومه على الحريات الدينية كالحجاب، وموقفه السلبي من تحويل “آيا صوفيا” من متحف إلى جامع، إلى جانب عمره الكبير الذي يتجاوز السبعين، والذي أصاب الشباب التركي بخيبة أمل كبيرة، كما أن كمال كليجدار ينحدر من الطائفة العلوية، والأغلبية في تركيا من السنة.

جميع ما سبق يضع تحالف الطاولة السداسية تحت ضغوط كبيرة لتعويض الأصوات الذي سيخسرها عند خوضه للانتخابات، ويفرض عليها أن تبذل جهداً كبيراً لإقناع الشعب التركي بانتخاب مرشحها.

المراجع:

ويكيبيديا | الجزيرة | عربي بوست | بي بي سي عربي | سكاي نيوز