تحالف عملياتي … خطوة متأخرة أم على الطريق الصحيح؟!
حسان قاسه
لم تمض على حدوث زلزال السادس من شباط/فبراير، إلا بضع ساعات، حتى أعلنت جميع الأطراف العاملة في الشمال السوري من منظمات إنسانية، وهيئات مجتمع مدني، ومؤسسات حكومية، ومتطوعين، جاهزيتهم، واستعدادهم، لمواجهة آثار كارثة جديدة من نوعها، تضاف إلى سجل نكبات السوريين، وابتلاءاتهم، ومصائبهم التي يعيشونها لأكثر من عقد من الزمن؛ ورغم الافتقار الشديد لأدنى مقومات الاستجابة في مناطقنا المحررة لمثل هذه الحالات، وحتى ما هو أقل منها بكثير، تداعى الجميع أفراداً وجماعات لمد يد العون، وتحركوا بشكل متفاوت نسبياً كل حسب إمكاناته وربما أحياناً حسب “مروءته” و”كرامته”، وشكلت الجهود التي بُذلت في ظل تقصير أممي، وتخاذل دولي، مشهداً لافتاً يظهر لأي مراقب أن السوريين يدٌ واحدة؛ لكن شيوع الفوضى، وقلة الخبرة، وضعف الإمكانيات، جعل إدارة الكارثة، وتوجيه الجهود، وتقديم المساعدات، يتم بصورة عشوائية، وأضاع -في لحظات عصيبة- الكثير من الفرص لينجو من كان يئن تحت الركام والأنقاض، ويبقى على قيد الحياة.
في الثالث والعشرين من شباط/فبراير أعلن د. أمجد راس رئيس الجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز) عن تشكيل “تحالف عملياتي” بين الجمعية، والمنتدى السوري، والخوذ البيضاء؛ للعمل على تعزيز قدرات الأطراف الثلاثة بهدف تقديم الدعم الطبي، والإنساني، والإغاثي للمنكوبين شمال غرب سوريا، واليوم في الخامس والعشرين من آذار يشارك د.راس إلى جانب الرئيس التنفيذي للمنتدى السوري غسان هيتو، ومدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح في مؤتمر صحفي للإعلان عن التحالف من الداخل السوري.
ربما يعتبر البعض هذه الخطوة متأخرة جداً عندما تأتي بعد سبعة وأربعين يوماً من تاريخ الكارثة، إلا أن المهم في قراءة هذا النمط من التحالفات على الوجه الصحيح، هو أن ننظر إلى نتائجها وثمارها في الواقع، فنثمن وندعم ما يعود بالنفع على أهلنا ومناطقنا، ونقوم بتوجيه النقد والتصويب لكل ما يقع من أخطاء أو تجاوزات؛ لأن هذا النمط من الكوارث يفرض على الدولة بأجهزتها ومؤسساتها استجابة طارئة، وغير تقليدية، فيتم إعلان حالة الطوارئ، وطلب المساعدة الدولية، وتشكيل فرق وخلايا لإدارة الأزمة في أقصر مدة زمنية ممكنة، وبأقل الخسائر، وسوى ذلك من الإجراءات العاجلة؛ لكننا عندما نكون أمام ما يعرف في المعجم الدولي والأممي بـ “سلطات الأمر الواقع” كما هو حالنا اليوم في الشمال الغربي من سوريا، يغيب كل ما سبق، وتحاصرنا تساؤلات كبرى حول مصيرنا ما بعد الكارثة، ولا يملك المنكوبون سوى أن يدفعوا أكبر قسط ممكن من الضريبة.
إذا كان هذا هو حالنا الآن فربما يكون القادم أسوأ، فآثار الكارثة ما تزال غير واضحة بالنسبة لنا نحن السوريين، رغم ما صدر حتى الآن من إحصائيات، ومؤشرات لتقييم الاحتياجات، والتي لا تخرج في مجملها عن توضيح لأعداد الضحايا، والمصابين، والجرحى، والعقارات المهدمة، وتلك الآيلة للسقوط؛ والاستجابة لتلك الاحتياجات، ببذل المتاح من العناية والعلاج على المستوى الطبي، وتقديم الممكن على المستوى الإغاثي والإنساني، من غذاء، وتدفئة، ومأوى مؤقت إلى أجل غير مسمى؛ لكن الآثار النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية لم تظهر بشكل جلي حتى الآن، ولا نعلم إلى أي مدى ستصل؛ في ظل تشابك الأحداث، وتسارعها، فقرار الخزانة الأمريكية رفع العقوبات جزئياً عن النظام السوري الذي جاء في التاسع من شباط، والتهافت الدبلوماسي المتبادل الذي نشهده في الآونة الأخيرة بين النظام ومعظم الدول العربية، والجدل القائم حول نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا ومآلاتها، وعودة مئات العائلات من السوريين المقيمين في تركيا إلى الداخل السوري بشكل دائم بعد صدور قرارات بفتح المعابر الحدودية، وسوى ذلك من أحداث، ستزيد في المحصلة من حجم التعقيد الذي فرضته الكارثة، وتفتح باب الاحتمالات واسعاً على مستقبل مجهول ينتظر السوريين في الأيام القليلة القادمة، فما عسانا أن نفعل؟!
ببساطة، وبصريح العبارة: نجدد التأكيد على أهمية العمل، والتعاون، والتكامل، بأقصى طاقتنا وعلى كافة المستويات، فكل جهد صغيراً كان أم كبيراً، يشكل اليوم جزءاً من الاستجابة، والسبيل الوحيد للنجاح في إدارة هذا النوع من الأزمات والكوارث، وإيجاد الحلول لها، ولما هو أبسط منها، أو أعقد، هو أن نضمن استعدادنا الدائم في أوقات الهدوء والرخاء، لمواجهة ما يعرض لنا من استحقاقات، من خلال تقوية مؤسساتنا الرسمية، ودعم الجهات الفاعلة والمؤثرة، وإيجاد غرف تنسيق حقيقية غير وهمية بين المنظمات ذات الصلة، وتعزيز دور هيئات المجتمع المدني، وكل ما لا يمكن إنجازه والقيام به في أوقات الطوارئ.
إذن لا يسعنا بالمجمل إلا أن نثمن الآن كل محاولة تسعى للتخفيف من وطأة الكارثة، والحد من معاناة أهلنا المنكوبين، فالتحالف العملياتي بين الأطراف التي سبق ذكرها، لا شك أنه -من حيث المبدأ- خطوة في الاتجاه الصحيح، أما من حيث النتيجة، فقد يكتب لها النجاح، وربما يكون مصيرها الفشل، لكن ليس ثمة طريقٌ ثالثة نسلكها في وضعنا الراهن.
لقد بات واضحاً أن افتقار المنطقة لقيادة عليا من ناحية، واستمرارنا -من ناحية أخرى- في الارتهان إلى العفوية، والارتجال، ورد الفعل، في سلوكنا، وأفعالنا، ومواقفنا، وبعدنا عن التواصل والتفاعل في أوقات اللين والاستقرار، كانت له نتائجه السلبية في عدم نجاح مبادرات تنظيم الجهود في أوقات الكوارث والأزمات، فانتهت غالب الاجتماعات التي عقدت، واللجان التي شكلت، إلى نتائج غير مرضية، أو غير مكتملة، أو خارج السياق؛ وأضفنا لرصيدنا مرارة أخرى، والأمل معقود على أن تكون الأخيرة.