معوقات التعليم عن بعد في المناطق المحررة

محمد حاج علي

في ظل الظروف التي واجهها العالم، والتأثيرات السلبية والتوقف شبه الكامل للحياة بسبب الوباء العالمي كوفيد-19، طفى على السطح مصطلح التعليم عن بعد كبديل مؤقت عن التعليم التقليدي، وذلك بسبب توقف القطاع التعليمي واتباع إجراءات السلامة، والامتثال لإجراءات التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي؛ واتبع هذا الأسلوب الجديد كثير من الدول حول العالم، ولم تكن المناطق المحررة في الشمال السوري بمعزل عن هذه الأحداث العالمية، فقد توقف التعليم بكافة المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية، وتم فرض الحجر في بعض المناطق، وانتقلت بعض المدارس والجامعات إلى التعليم عن بعد كتقنية بديلة ومؤقتة.

مصطلح التعليم عن بعد ليس جديداً، فقد كانت تختص به بعض المنصات الأجنبية والعربية، وتقدم عدداً من المساقات المنوعة منها المجاني، وهناك المدفوع أيضاً؛ وربما سمع الكثير منا أو استخدم فعلاً منصة رواق، أو إدراك، المنصتين الأشهر على مستوى العالم العربي.

كثيرون عرَّفوا التعليم عن بعد أنه عملية تعليمية تتم بين مصدر ومتعلم، على أن يكون الأخير موجوداً في مكان يختلف جغرافياً عن مكان المصدر مهما كان شكله أو عدده، فقد يكون عبارة عن كتاب، أو مقطع صوتي، أو فيديو، أو معلم، أو مجموعة معلمين يستخدمون المراسلة البريدية، أو المذياع، أو التلفاز، أو الإنترنت، لكن ارتباط المفهوم بالإنترنت أو عبره يعود بسبب الانتشار الواسع للأخير.

تحاول هذه المقالة تسليط الضوء على أهم العقبات التي تواجه التعليم عن بعد في الشمال المحرر، والتي يمكن تلخيصها كالتالي:

أولاً: شبكة الإنترنت، وتتمثل المشكلة الناتجة عنها في النقاط التالية:

  • السرعة: إن السرعة العالية مهمة لتحقيق أكبر قدر من الفائدة في التعليم عن بعد، إذ يجب أن يتواصل المدرس والطالب عن طريق الصورة والصوت، لكن الحصول على سرعة جيدة يفرض على الناس أن يدفعوا مبالغ لا تتوافق مع دخلهم المحدود في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشونها، ما دفع بهم للاشتراك بالسرعات المنخفضة مثل: (1) أو (0.5) ميغابت/الثانية للمنزل الواحد، وفي بعض الأحيان يتم الاشتراك بين أكثر من منزل على هذه السرعة التي تتيح في حدها الأعلى إجراء اتصال صوتي فقط بين المدرس والطالب، ما يعني ببساطة فقدان الاتصال المرئي، وشرود الذهن، وتسيب الطلاب، أو هروبهم للعب في الخلفية.
  • سوء شبكة الإنترنت: إن تجاوزنا مشكلة السرعة فإن انعدام القوانين التي تضمن حق المشترك، وغياب المعايير في تقديم السرعات من مزودي الخدمة، وعدم جودة أجهزتهم؛ يؤدي إلى تقطع البث الذي ينعدم معه الاتصال المباشر، وفي أحيان كثيرة، تكون السرعة مزيفة، وهذه المشكلة لا يمكن تجاوزها إلا بوجود قانون ومعايير واضحة تضمن حق المشترك.

ثانياً: الدخل المادي للعائلة السورية لا يسمح لها بتأمين مستلزمات التعليم عن بعد وأهمها: اللابتوب، والكاميرا، أو الهاتف الذكي و -في أسوأ الأحوال- إن أراد الطالب متابعة تحصيله بالاعتماد على هاتف أحد أفراد أسرته، فغالباً ما تبوء محاولته بالفشل عندما تتعارض أوقات الدراسة مع أنشطة الأسرة المختلفة.

ثالثاً: يحتاج التعليم عن بعد إلى مساحة خاصة من المنزل ينفرد بها الطالب خلال المحاضرة، وهذه المساحة لا تناسب الكثير من الطلبة بسبب طبيعة السكن صغير الحجم، وتتفاقم المشكلة بشكل لافت عند من يقيمون في المخيمات.

رابعاً: التعليم عن بعد يحتاج إلى توفر الكهرباء بشكل شبه دائم، وهذه الحاجة تضعنا أمام عائق آخر، فالكهرباء تصل للمستهلكين من خلال مولدات كبيرة (أمبيرات) تتوزع على الأحياء، لمدة محدودة تتراوح من (5-6) ساعات في اليوم فقط، بما لا يتيح المتابعة المستمرة، إضافة إلى أن مدخرات الأجهزة الإلكترونية لا تكفي لتغطية كامل المحاضرات والدروس.

خامساً: عدم جدية بعض المؤسسات التعليمية في التعليم عن بعد، أو افتقارها للإمكانيات المادية، فبعض هذه المؤسسات استعان ببرامج غير مخصصة للتعليم، مثل: السكايب، وغيره من التطبيقات، أو قام بالاعتماد على النسخ المجانية من البرامج المخصصة مثل برنامج ZOOM الذي يتيح لمستخدمه فرصة الاستخدام لـ (40) دقيقة فقط، ما يعني تكرار الدخول إلى البرنامج لأكثر من مرة بعد انتهاء المدة المجانية لمتابعة الدرس أو المحاضرة.

سادساً: بعد صدور قرار باعتماد التعليم عن بعد لكافة المؤسسات التعليمية لم تكن هناك متابعة جدية للمدرسين فمنهم من التزم والأغلب لم يفعل.

أخيراً: يعد المعوق الأهم هو عدم خضوع المدرس للدورات التدريبية اللازمة التي ستمكنه من التعامل مع هذه البيئة التعليمية الجديدة عليه كلياً، فالمدرس غير مهيأ للتعامل مع الطالب من جهة، وغير قادر على إيصال معلومات المنهاج الدراسي بشكل جيد من جهة أخرى، ما جعل التعليم مرهوناً بجهد المدرس ومثابرته، وانقسم المدرسون الذين التزموا بقرار التعليم عن بعد إلى قسمين: قسم اكتفى باستنساخ الأسلوب التقليدي، وقسم ثابر واجتهد وبحث عن الوسائل الأمثل لهذه البيئة التعليمية، وحقق نجاحاً لا بأس به رغم وجود التحديات والمعوقات التي ذكرت سابقاً.

ختاماً، يمكننا القول إن التعليم عن بعد في المناطق المحررة أمام المعوقات التي تواجهه لن يحقق النجاح المطلوب، إلا بتوافر شروط اقتصادية واجتماعية، فهو عبارة عن نسق غير مستقل، بل يتكامل بالضرورة مع غيره من الأنساق الأخرى.